السلام عليكم
إن أعظم أنواع الفقد على النفوس وقعاً فقد العلماء الربانين، والأئمة المصلحين
لأن للعلماء مكانة عظمى ، ومنزلة كبرى ، فهم ورثة الأنبياء ، وخلفاء الرسل، هم للناس شموسٌ ساطعة ، وكواكب لامعة ، وللأمة مصابيح دجاها، وأنوار هداها، بهم حفظ الدين وبه حفظوا ، وبهم رفعت منارات الملة وبها رُفِعُوا
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إنما مثل العلماء كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة.
يقول الإمام أبو بكر الآجري رحمه الله: "فما ظنكم بطريقٍ فيه آفات كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء، فقيض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم، فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءت فئامٌ من الناس لا بُدَّ لهم من السلوك فيه فسلكوا، فبينما هم كذلك إذ أطفئت المصابيح فبقوا في الظلمة، فما ظنكم بهم؟ فهكذا العلماء في الناس".
إن موت العلماء خطب جلل تتشنف له المسامع ، وتذرف له المدامع لأن بموتهم تطوى صفحات لامعة، وسجلات ناصعة، فرحيل العلماء ثلمة لا تسد ، ومصيبة لا تحد ، وفجيعة لا تنسى، فموت العالم معناه انهيار الأمة وتهدم لبنيان أقوام وحضارات أمم
يحيون بكتاب الله الموتى ، ويبصرون به أهل العمى ، ويهدون به من ضل إلى الهدى فكم من قتيلٍ لإبليس قد أحيوه ، وكم من ضالٍ تائه قد هدوه وما قامت الأمجاد، وتحققت الانتصارات بعد الله إلا بهم، فهم أهل خشية الله ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )
وهم مادة حياة القلوب، وغذاء الأرواح، وقوت الضمائر، وزاد القرائح ومهما صيغت النعوت والمدائح في فضائلهم فلن توفيهم حقهم العالم للأمة بدرها الساري ، وسلسالها الجاري ، لا سيما أئمة الدين، وعلماء الشريعة
ولذلك كان فقدهم من أعظم الرزايا ، والبلية بموتهم من أعظم البلايا وأنَّى للمدلجين في دياجير الظلمات أن يهتدوا إذا انطمست النجوم المضيئة ؟ ويُوضح ذلك ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { تظهر الفتن، ويكثر الهرج ، ويقبض العلم } فسمعه عمر فقال: ( إن قبض العلم ليس شيئاً يُنتزع من صدور الرجال ، ولكنه فناء العلماء )
ولقد أخبر حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:
( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا( قال: ) بموت علمائها وفقهائها)
وقال الحسن رحمه الله: " موت العالم ثلمة في الإسلام ، لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار "
ولكن إنَّ من حسن العزاء عند فقد العلماء: أن دين الله محفوظ ، وشريعته باقية، وخيره يفيض ولا يغيض
فأعلام الديانة مرفوعة بحمد الله: { ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.
كما أن من حسن العزاء أن هؤلاء العلماء -رحمهم الله باقون بذكرهم.. أحياء بعلمهم، يلهج الناس بالثناء عليهم والدعاء لهم ويجتهدون في اقتفاء آثارهم ، وترسم خطاهم، علماً وعملاً، ودعوة ومنهاجاً
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [[عليكم بالعلم قبل أن يُقبض، وقبضه ذهاب أهله..
وقيل لـسعيد بن جبير رحمه الله: "ما علامة الساعة وهلاك الناس؟ قال: إذا ذهب علماؤهم".
مات شيخنا بن جبرين ولكن هذه سنة الحياة (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ{26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ{27}
فاللـهـم إنه فى ذمتك وجوارك فقه فتنة القبر وعذاب النار وَجْد عليه بعفوك وإكرامك وجودك وإحسانك, وأنت أهل الوفاء والحق فأغفر له وأرحمه إنك أنت الغفور الرحيم.
اللـهـم إنه صبر على البلاء والمرض فلم يجزع فأمنحه درجة الصابرين الذين يوفون أجورهم بغير حساب
اللهم آمين